09 , أبريل 2025

القطيف اليوم

هل للملح علاقة بصحتنا النفسية؟ 

تحذّرنا المرجعيات الطبية من مخاطر الإفراط في تناول الأبيضين (الملح والسكر) على صحتنا الجسمية. لكن لندع –هنا- السكر جانبًا، لنعرف ما قيل مؤخرًا عن الملح وعلاقته بصحتنا النفسية.  

منْ منّا لم يستهلك الملح في طعامه؟ معظمنا فعل ذلك –إن لم يكن جميعنا– ولكن بنسب متفاوتة. لكن هل لاستهلاك الأطعمة المالحة علاقة بصحتنا النفسية؟ قد لا يكون هناك قول حاسم بأن الملح يضر بصحتنا النفسية أم لا. في الواقع، هناك منْ قال نعم لهذه العلاقة. فمؤخرًا، نُشرت دراستان في هذا الشأن واحدة عام 2023 والأخرى عام 2025، وكلاهما تقولان كلامًا خارج المألوف في علاقة الملح بالصحة النفسية. الأولى شارك فيها 424 شخصًا من الجنسين من أستراليا ويفضلون الأطعمة المالحة في حياتهم اليومية وأعربوا عن شدّة قلقهم واكتئابهم. والدراسة الثانية شارك فيها أكثر من 444 ألف شخص من المملكة المتحدة تعوّدوا تناول الملح مع طعامهم وأظهروا زيادةً في الشعور بالاكتئاب بنسبة 29‎%، والقلق بنسبة 17‎% مقارنةً بمن لم يتناولوا الملح في طعامهم إلا نادرًا. فكلا الدراستين تؤكدان أن للملح علاقة بالاكتئاب والقلق. 

على الرغم من أن لإدمان تناول الملح أضرارًا بالغة الخطورة على صحتنا الجسمية، وفق ما بات معروفًا من الناحية الطبية، فإن الأضرار الصحية النفسية للملح لا تزال قيد البحث والمراجعة العلمية. لذلك، قبل الانسياق وراء هذه النتيجة، من المستحسن أن نتساءل: هل للملح فعلاً هذه المحصلة الصحية غير المحمودة على صحتنا النفسية؟ يبدو لي في هذا الصدد أن نتفكّر في بعض جوانب الدراستين التي أثمرت هذه النتيجة، كالعينات، وطرق جمع البينات، والأسلوب الإحصائي المتبع. 

العينات: لا شك أن مقدار الأفراد المشاركين بأي دراسة تسهم كثيرًا في مقدار موثوقية النتائج. ففي دراسة 2023، تعد عينتها صغيرة جدًا، وبالتالي مقدار تمثيلها لمجمل السكان منخفض، مما يجعل نتائجها أقل موثوقية. وفي دراسة 2025، كانت العينة كبيرة جدًا، وتمثيلها للسكان مرتفعًا، مما يزيد من موثوقية النتائج. 

طرق جمع البيانات والأسلوب الإحصائي: اعتمدت كلتا الدراستين على التقارير الذاتية أو على ما يذكره الأفراد المشاركون عن عاداتهم الغذائية ومستوياتهم النفسية. وهذا قد يتسبب في عدم دقة التقديرات الفردية نتيجة لتأثير العوامل الشخصية؛ مما قد يؤدي في النهاية إلى تحيز في النتائج. كذلك، لم تتبنَّ أي من الدراستين تجارب سريرية يمكن أن تُقَسَّم فيها العينات عشوائيًا والتحكم في المتغيرات بطريقة أكثر دقة لها إمكانية تحديد علاقة السبب بالنتيجة. وبالتالي، فإن المنهج المتبع في كلتيهما هو تحديد علاقة ارتباطية (العلاقة بين الملح من جهة، والقلق والاكتئاب من جهة أخرى) وليست علاقة سببية (أي أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر في العلاقة بين الملح والصحة النفسية؛ وهنا الملح يؤدي إلى القلق والاكتئاب). لذلك، يمكن القول: إن القلق والاكتئاب، كمحصلة، ربما لا يكونان ناتجين عن الاستهلاك الطويل المدى للملح، وإنما ربما ناتجان عن سبب آخر. فالقلقون والمكتئبون، مثلاً، يميلون إلى اختيار أطعمة غير صحية (بما فيها المالحة) كرد فعل على حالتهم النفسية وليس نتيجة لتناول الملح باستمرار. بل ربما تكون هناك عوامل مختلفة، كالوراثة، والبيئة، والعلاقات الاجتماعية، أدت إلى زيادة استهلاك الملح. وبالتالي، يكون استهلاك الملح المفرط مجرد مؤشر سلوكي ضمن سلوكيات أخرى مرتبطة بالقلق والاكتئاب كالإفراط في الأكل أو الإهمال الصحي، وليس سببًا رئيسًا. 

والخلاصة، الدراستان لا تثبتان أن الملح هو السبب المباشر للقلق والاكتئاب. ورغم أن هاتين الدراستين تعدان خطوة أولى لفهم علاقة الملح بالصحة النفسية، فإنهما لا تشكلان، من وجهة نظري، قاعدة لاتخاذ قرارات صحية جذرية أو حاسمة لربط الملح بالصحة النفسية كسبب للقلق أو الاكتئاب. لكن من المفيد، للصحة العامة، الاعتدال في تناول الملح، والتركيز على نظام غذائي متوازن، واستشارة طبيب واختصاصي نفسي عند الشعور بأعراض مستمرة للقلق أو الاكتئاب.

رابط دراسة 2023

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/37738157/

رابط دراسة 2025

https://bmcmedicine.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12916-025-03865-x


error: المحتوي محمي